فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الفخر:

قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهّرَ قُلُوبَهُمْ}
قال أصحابنا: دلّت هذه الآية على أن الله تعالى غير مريد إسلام الكافر، وأنه لم يطهر قلبه من الشك والشرك، ولو فعل ذلك لآمن، وهذه الآية من أشد الآيات على القدرية.
أما المعتزلة فإنهم ذكروا في تفسير الفتنة وجوهًا: أحدها: أن الفتنة هي العذاب، قال تعالى: {عَلَى النار يُفْتَنُونَ} [الذاريات: 13] أي يعذبون، فالمراد ههنا: أنه يريد عذابه لكفره ونفاقه، وثانيها: الفتنة الفضيحة، يعني ومن يرد الله فضيحته.
الثالث: فتنته: إضلاله، والمراد من الإضلال الحكم بضلاله وتسميته ضالًا، ورابعها: الفتنة الاختبار، يعني من يرد الله اختباره فيما يبتليه من التكاليف، ثم إنه يتركها ولا يقوم بأدائها فلن تملك له من الله ثوابًا ولا نفعًا.
وأما قوله: {أُوْلَئِكَ الذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهّرَ قُلُوبَهُمْ} فذكروا فيه وجوهًا: أحدها: لم يرد الله أن يمد قلوبهم بالألطاف، لأنه تعالى علم أنه لا فائدة في تلك الألطاف لأنها لا تنجع في قلوبهم، وثانيها: لم يرد الله أن يطهر قلوبهم عن الحرج والغم والوحشة الدالة على كفرهم، وثالثها: أن هذا استعارة عن سقوط وقعه عند الله تعالى، وأنه غير ملتفت إليه بسبب قبح أفعاله وسوء أعماله، والكلام عن هذه الوجوه قد تقدم مرارًا.
ثم قال تعالى: {لَهُمْ في الدنيا خِزْىٌ} وخزي المنافقين هتك سترهم باطلاع الرسول صلى الله عليه وسلم على كذبهم وخوفهم من القتل، وخزي اليهود فضيحتهم بظهور كذبهم في كتمان نص الله تعالى في إيجاب الرجم وأخذ الجزية منهم.
{وَلَهُمْ في الاخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ} وهو الخلود في النار. اهـ.

.قال الثعلبي:

{لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} أي بالهداية على القدرة {لَهُمْ فِي الدنيا خِزْيٌ} للمنافقين الفضيحة وهتك الستر وخوف القتل، ولليهود الجزية والقتل والسبي. اهـ.

.قال القرطبي:

{لَهُمْ فِي الدنيا خِزْيٌ} قيل: هو فضيحتهم حين أنكروا الرجم، ثم أحضرت التوراة فوجد فيها الرجم.
وقيل: خزيهم في الدنيا أخذ الجِزية والذل.
والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

{أُوْلَئِكَ الذين لَمْ يُرِدِ الله أَن يُطَهّرَ قُلُوبَهُمْ} من الكفر، ولم يرد أن يدخل حلاوة الإيمان في قلوبهم، وخذلهم مجازاة لكفرهم، {لَهُمْ في الدنيا خِزْىٌ} يعني: القتل، والسبي، والجزية، وهو قتل بني قريظة، وإجلاء بني النضير، {وَلَهُمْ في الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ} أعظم مما كان في الدنيا. اهـ.

.قال أبو السعود:

{لَهُمْ في الدنيا خِزْىٌ} أما المنافقون فخزيُهم فضيحتُهم وهتكُ سِترتِهم بظهور نفاقِهم فيما بين المسلمين، وأما خزيُ اليهود فالذلُ والجزيةُ والافتضاحُ بظهور كَذِبهم في كِتمان نصِّ التوراة، وتنكيرُ {خزيٌ} للتفخيم وهو مبتدأ ولهم خبرُه وفي الدنيا متعلق بما تعلق به الخبرُ من الاستقرار، وكذا الحال في قوله تعالى: {وَلَهُمْ في الآخرة} أي مع الخزي الدنيوي {عَذَابٌ عظِيمٌ} هو الخلودُ في النار، وضميرُ {لهم} في الجملتين للمنافقين واليهود جميعًا لا لليهود خاصة، كما قيل، وتكريرُ {لهم} مع اتحاد المرجِع لزيادة التقرير والتأكيد، والجملتان استئنافٌ مبنيٌّ على سؤال نشأ من تفصيل أفعالِهم وأحوالهم الموجبةِ للعقاب، كأنه قيل: فما لهم من العقوبة؟ فقيل لهم: في الدنيا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ في الكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا ءَامَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا...} الآية.
مَنْ أقصاه الحقُّ عن محلِّ التقريب، وأرخى له عنان الإمهال وَكَلَه إلى مكره، ولبَّسَ عليه حاله وسِرَّه، فهو ينهمك في أودية حسبانه، وإنما يسعى في أمر نفسه فيعمل بما يعود إليه وبالُه، فأَمَرَ نَبيَّه صلى الله عليه وسلم بترك المبالاة بأمثالهم، وقلة الاهتمام بأحوالهم، وعرَّفه أنهم بمعزلٍ عن رحمته؛ وإِنَّ مَنْ ردَّته القسمة الأزلية لا تنفعه الأعلال في الاستقبال، فقال: {وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا} يعني إِنْ أَهَّلَه الله للحرمان، وقيّده بشباك الخذلان فشفاعة الأغيار فيه غير مقبولة، ولطائف القبول إليه غير موصولة.
قوله جلّ ذكره: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبُهُمْ}.
أولئك الذين لم تعجن طينتُهم بماء السعادة فَجُبِلوا على نجاسة الشِرْك فإن عدم الطهارة الأصلية لا يتنقَّى بفنون المعاملات.
ويقال: {وَمَن يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ}: مَنْ أرسل عليه غاغة الهوى، وسلَّط عليه نوازع المنى، وأذلَّه القضاء، فليس يلقى عليه غير الشقاء.
قوله جلّ ذكره: {لَهُمْ في الدُّنْيَا خِزْىٌ وَلَهُمْ في الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
وَرَدُوا من الهوان إلى الهوان، ووُعِدُوا بالفراق، وَرُدُّوا إلى الاحتراق، فلا تدري أي حالِهم أقرب من استيجاب الذل؟ بدايتهم في الرد أم نهايتهم في الشِرْك والجحد؟. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال:
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم مرّ بيهودي وقد حمموه وجلدوه، فقال: أهكذا تجدون حدّ الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم فدعا رجلًا من علمائهم، فقال: أنشدُك الله الذي أنزل التوراة على موسى، هكذا تجدون حدَّ الزاني في كتابكم؟ قال: لا، ولكنّه كثر في أشرافنا، فكنا نترك الشريف، ونُقيمه على الوضيع، فقلنا: تعالوا نُجْمِعْ على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فاجتمعنا على التحميم والجلد.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إِني أول من أحيا أمرَك إِذا أماتوه» فأمَرَ به فَرُجم، ونزلت هذه الآية، رواه البراء بن عازب.
والثاني: أنها نزلت في ابن صوريا آمن ثم كفر، وهذا المعنى مروي عن أبي هريرة.
والثالث: أنها نزلت في يهودي قتل يهوديًا، ثم قال: سلوا محمدًا فإن كان بُعِثَ بالدّية، اختصمنا إِليه، وإِن كان بعث بالقتل، لم نأته، قال الشعبي.
والرابع: أنها نزلت في المنافقين، قاله ابن عباس، ومجاهد.
والخامس: أن رجلًا من الأنصار أشارت إِليه قريظة يوم حِصارهم على ماذا ننزل؟ فأشار إِليهم: أنه الذّبح، قاله السدي.
قال مقاتل: هو أبو لبابة بن عبد المنذر، قالت له قريظة: اننزل على حُكم سعدٍ، فأشار بيده: أنه الذّبح، وكان حليفًا لهم.
قال أبو لبابة فعلمت أني قد خُنتُ الله ورسوله، فنزلت هذه الآية.
ومعنى الكلام: لا يحزنك مسارعة الذين يُسارِعُون في الكفر من الذين قالوا آمنّا بأفواههم وهم المنافقون، ومن الذين هادوا وهم اليهود.
{سماعون للكذب} قال سيبويه: هو مرفوعٌ بالابتداء.
قال أبو الحسن الأخفش: ويجوز أن يكونَ رفعُه على معنى: ومن الذين هادوا سماعون للكذب.
وفي معناه أربعة أقوال:
أحدها: سماعون منك ليكذبوا عليك.
والثاني: سماعون للكذب، أي: قائلون له.
والثالث: سماعون للكذب الذي بدَّلوه في توراتهم.
والرابع: سماعون للكذب، أي: قابلون له، ومنه: «سمع الله لمن حمده» أي: قبل.
وفي قوله: {سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} قولان:
أحدهما: يسمعون لأولئك، فهم عيونٌ لهم.
والثاني: سمّاعون من قوم آخرين، وهم رؤساؤهم المبدِّلون التوراة.
وفي السمّاعين للكذب، وللقوم الآخرين قولان:
أحدهما: أن «السّماعين للكذب» يهود المدينة، والقوم الآخرون الذين لم يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود فدَك.
والثاني: بالعكس من هذا.
وفي تحريفهم الكلم خمسة أقوال:
أحدها: أنه تغيير حدود الله في التوراة، وذلك أنهم غيّروا الرّجم، قاله ابن عباس، والجمهور.
والثاني: تغيير ما يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب عليه، قاله الحسن.
والثالث: إِخفاء صفة النبي صلى الله عليه وسلم.
والرابع: إِسقاط القود بعد استحقاقه.
والخامس: سوء التأويل.
وقال ابن جرير: المعنى يُحرّفون حكم الكلم، فحذف ذكر الحكم لمعرفة السامعين بذلك.
قوله تعالى: {من بعد مواضعه} قال الزجاج: أي: من بعد أن وَضَعه الله مواضعه، فأحلّ حلاله وحرّم حرامه.
قوله تعالى: {يقولون إِن أُوتيتم هذا فخذوه} في القائلين لهذا قولان:
أحدهما: أنهم اليهود، وذلك أن رجلًا وامرأةً من أشرافهم زنيا، فكان حدهما الرّجم، فكرهت اليهود رجمهما، فبعثوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن قضائه في الزّانيين إِذا أُحصِنَا، وقالوا: إِن أفتاكم بالجلد فخذوه، وإِن أفتاكم بالرّجم فلا تعملوا به، هذا قول الجمهور.
والثاني: أنهم المنافقون.
قال قتادة: وذلك أن بني النضير كانوا لا يُعطون قريظة القود إِذا قتلوا منهم، وإِنما يعطونهم الدية، فإذا قتلت قريظة من النضير لم يَرْضوا إلا بالقود تعززا عليهم، فقتل بنو النضير رجلا من قريظة عمدًا، فأرادوا رفع ذلك إِلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رجل من المنافقين: إِن قتيلكم قتيل عمد، ومتى ترفعوا ذلك إِلى محمد خشيتُ عليكم القود، فإن قُبِلَتْ منكم الدِّية فأعطوا، وإِلا فكونوا منه على حذر.
وفي معنى {فاحذروا} ثلاثة أقوال:
أحدها: فاحذروا أن تعملوا بقوله الشديد.
والثاني: فاحذروا أن تُطْلِعُوه على ما في التوراة فيأخذكم بالعمل به.
والثالث: فاحذروا أن تسألوه بعدها.
قوله تعالى: {ومن يرد الله فتنته} في «الفتنة» ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها بمعنى الضلالة، قاله ابن عباس ومجاهد.
والثاني: العذاب، قاله الحسن، وقتادة.
والثالث: الفضيحة، ذكره الزجاج.
قوله تعالى: {فلن تملك له من الله شيئًا} أي: لا تغني عنه، ولا تقدر على استنقاذه.
وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم من حزنه على مسارعتهم في الكفر.
قوله تعالى: {لم يرد الله أن يُطهِّر قلوبهم} قال السدّي: يعني المنافقين واليهود، لم يُرِدْ أن يطهر قلوبهم من دَنَسِ الكُفر، ووسَخ الشِّرك بطهارة الإِيمان والإِسلام.
قوله تعالى: {لهم في الدنيا خزيٌ} أما خزي المنافقين، فبهتك سترهم وإِطلاع النبي على كفرهم، وخزي اليهود بفضيحتهم في إِظهار كذبهم إِذ كتموا الرجم، وبأخذ الجزية منهم: قال مقاتل: وخزي قريظة بقتلهم وسبيهم، وخزي النضير بإجلائهم. اهـ.